كتاب “من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث” كتاب بالغ الأهمية؛ لتسليطه الضوء على مناطق شديدة الحساسية في المنظومة التراثية، وتجاوزه خطوطًا يعدها كثيرون من المختصين في التراث، ومن أهل الثقافة غير العالِمة خطوطًا حمرًا.
محاولة طرابيشي في كتابه: “من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث” تركّز في جزء أساس منها على أسباب جمود العقل التشريعيّ الإسلاميّ، ونكوصه، وهما جمود ونكوص يحمّل طرابيشي الشافعي قدرًا كبيرًا من مسؤوليتهما بقرأنته السنة، وتسنينه القرآن، وبتهميشه العقل عن طريق آلية قياس لا تستطيع الانفكاك من أسر النصّ، وإبطال للاستحسان يكرّس هذا التهميش.
ثار طرابيشي على ما عدّه خزعبلات في دروس الكاهن في الكنيسة إبّان مراهقته، وقرر ألا يكون مسيحيًا بعدها، وثار على نظام البعث الذي انتمى إليه قبل استلامه السلطة، واستقال منه بعد انقلابه العسكريّ، ولم يكترث بنبذ رفاقه البعثيين له في المعتقل عندما سخّف قناعاتهم الرجعية عن جريمة الشرف، وفضّل الانعزال في زنزانة انفرادية.
وثار على ما يعرفه، ويكوّن ثقافته بتحفيز غير مقصود من المفكر المغربي ّمحمد عابد الجابري عندما قرأ كتاب الأخير “تكوين العقل العربي”، وأثنى عليه، ثم اكتشف تناقضاته ومخاتلته النصوص، فعقد العزم على مراجعة التراث الإسلاميّ واليونانيّ والمسيحيّ، وهي مراجعة أنتجت موسوعة في نقد مشروع الجابريّ
قبل ذلك عرّف طرابيشي القارئ العربي على فرويد والتحليل النفسي عبر الجهد الذي بذله في ترجمة مؤلفات فرويد، وهو جهد يستحق طرابيشي خالص التقدير عليه.
ثار جورج على المسلّمات في التراث، وتحدّث عن إسلام القرآن وإسلام الحديث، وعلى ما أحدثه هذا التحول الموازي لانتقال من إسلام الرسالة إلى إسلام الفتوحات من تضخّم في المدوّنة التشريعية العابرة للمكان والزمان، وجمودها، واستعصائها على التطور منذ القرن الخامس الهجريّ؛ الأمر الذي جعلها ممانعة للحداثة.
كان جورج ثائرًا بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى عندما حلّل أزمة المثقفين العرب تحليلًا نفسيًا عميقًا، وشخّص حالهم بأنها حال عصاب جماعيّ محاولًا -بكفاية- استقصاء أسباب هذا العصاب وطرق علاجه، وكان ثائرًا عندما حاول تأصيل العلمانية في التراث العربيّ باكتشاف بذرتها في سيرة النبيّ، والعثور على لفظ (علمانيّ) في القرن الرابع الهجريّ عندما استخدمها ابن المقفع المصريّ معبّرًا بها عن الرجل المشغول بأمور الدنيا، أو بمعنى آخر من ليس راهبًا.
أكّد جورج ضرورة العلمانية؛ لأنها في نظره الحلّ للصراعات الطائفية، والاقتتال المذهبيّ، والطريق المفضية إلى الخروج من حالة التردّي التي يعيشها العالم العربيّ.
المصدر : مناف الحمد
الإسم العربي: من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث النشأة المستأنفة
اللغة: العربية
المترجم: تأليف جورج طرابيشي
المشاهدات: 137